M. Charbel Abi Khalil : Responsable Cycles I et II

433

بين الأمس واليوم

من مدرسة الضيعة، مدرسة تحت السنديانة التي كانت أغصانها تشكّل السقف الذي يحمي رأس المعلّم
ورؤوس التلاميذ، ومن على الحجارة التي شكّلت مقاعدهم وبالرغبة الجيّاشة للعلم، انطلق كلّ من سمحت له ظروف ذلك الوقت الى مدارس المدينة وجامعاتها فتابع دراسته بجرأة واضحة وثقة بالنفس عالية وشخصية فذّة امّنها له معلّم كان سلاحه “حساب الطالب   وكتاب الشرتوني” الى جانب رزمة قضبان يداوي بها المشاغب من على كرسيّه الجالس عليه دون أن يكلّف نفسه الوقوف وكانت فائدة القضيب ردع المشاغب ومضيّع الوقت من دون أن يجرح مشاعره أو يحطّم شخصيته و شخصية الآخرين.
كان التلميذ رغم الصعاب يصل الى المدرسة مشياً على رجليه تحت أشعّة الشّمس الحارقة أو بين زخّات
المطر أو رقع الثلج قاصداً المقعد الدراسي وهدفه التعلّم والنجاح ليبدّل نمط عيشه ويتخلّص من الوضع الاجتماعيّ الصعب
الذي كان يفرضه عليه مجتمعه في ذلك الوقت. فتخرّج اثر ذلك المحامون والأطباء والمهندسون والأدباء وجاب بعضهم            أقطار العالم وبرعوا وكانت لهم كتاباتهم وأعمالهم التي خلّدتهم.

أمّا اليوم فمع اقتلاع السنديانة من جذورها وغاب طابع الضيعة نهائياً وحلّ مكانه طابع المدينة وروحيّتها
من حيث أشكال المنازل وطرقاتها الواسعة وسياراتها واجتماعياتها وتقاليدها ومدارسها فالمدارس باتت أبنية كاملة التجهيزات توفّر الدفء والاستقرار والطمأنينة، صفوفها واسعة مجهّزة بآلات الكترونية حديثة تسهّل على الطالب امكانية الفهم بالوسائل
المختلفة المتعدّدة بعد أن كانت الطرق في السابق تقليدية موحّدة تختلف من معلّم الى آخر، أحدهم ينجح باجتهاداته وتفسيره
وآخر يكون أقلّ نجاحاً وكان الطلاب يبدون الرغبة الكاملة بالاستماع والمشاركة وتحصيل العلم ونيل العلامات العالية. هذا
لا يعني أنّه لم يكن هناك من مشاغب لكنّ السلطة التي كانت متاحة للمعلّم ومعاونة الأهل كانتا لتردعاه ولتأمين الجوّ المؤاتي
للتعلّم.
اليوم ويا للأسف كلّنا يسعى الى نيل العلامات ولكن من دون تعب بالطريقة السهلة. أمور كثيرة تؤمّن اللهو
للتلميذ، فتطوّر التكنولوجيا كانت له ايجابياته وسلبياته، ايجابياته اذا استعمل بمساره الصحيح وبهدف جمع المعلومات والاستفادة منها وزيادة قدراته التثقيفية وسلبياته اذا استعمل للهو ولمضيعة الوقت على انفراد أو بالتواصل مع الآخرين وبحرق الوقت وتمضية ساعات من دون أيّة افادة. كما أنّ عدم وقوف الأهل الى جانب المعلّم والخوف من تحطيم شخصية ولدهم زاد من وقاحة  التلميذ وجرأته الغير المعهودة والتي لا تصبّ بتحسين مستواه العامي  لأنّ الطمع بالأهل  والمعلّم يفقد هذا الأخير الهيبة والسيطرة على الصفّ ويمنعه من القيام بواجباته على أتمّ وجه.

كان دور المعلّم يقتصر على تلقين المعلومات الحسابية أو الأدبية، بهدف بناء المتعلّم أكادمياً أمّا في
يومنا هذا فالمعلّم متعدّد الأدوار مع كمّ الشهادات التي يحملها والدورات التدريبية التي يتابعها، عليه أن يكون ملقّناً للمعلومات ومعالجاً نفسياً يسير بين زخّات المطر يتحمّل كامل المسؤؤليات لا يجرح لا الأجساد ولا الشعور يبني الشخصية ولا يحطّم يتفهّم كلّ تلميذ على انفراد ويجيد طريقة التعامل معه…
كان الّله سابقاً بعون التلاميذ أمّا اليوم فليكن بعون المعلّم. فأنهي بذلك وأقول:

بالأمس المعلّم كان  يشوف حالو              بطربوشو   و شواربو     وشروالو
كبار  وصغار  يحترموا   خيالو              حساب الطالب والشرتوني راسمالو

اليوم  حامل  شهادات  قدّ  الدني              دورات تدريبية أربعة خمسة بالسني
راس   مليان  وبالمعرفة   مغتني             بس بين الطلاب والأهل يا ويل حالو.

You might also like More from author